عن أي حداثة يتحدثون

عن أي حداثة ...يتحدثون؟

المغرب اليوم -

عن أي حداثة يتحدثون

بقلم : محمد أديب السلاوي

الشعر العربي الحديث الذي تؤرخ كتب النقد والتاريخ لبدايته بقصيدتين، واحدة لنازك الملائكة، والثانية لبدر السياب، لم يحظ على المستوى التنظيري النقدي، ولفترة طويلة من الزمن إلا بكلام يأتيه - غالبا- من خارج العملية الشعرية/ الإبداعية وخارج عناصرها، وشروطها. وبذلك لم يحقق النقد تقدما في الوصول إلى كنه القصيدة الحديثة، ولم يبتعد ما أتى به النقاد في خمسينات القرن الماضي، فيما يخص تغيير البيت، وانكساره، وتقطيعه، إذ بقي الحديث متواصلا في القرن الماضي، يدور عن تفاصيل ذلك التغيير والانكسار والتقطيع. وفي مرات قليلة يتجاوز هذه الدائرة السيمفونية إلى قوانين الشعر الدقيقة، ليعود ثانية إلى المفردة والجملة والإيقاع الوزني، والموسيقى، وما شابه ذلك.
ففي القرن الماضي، حاول هذا الصنف من النقد في أقطار الشرق العربي خصوصًا، أن يبسط سيادته على القصيدة العربية، من خلال المفاهيم ذاتها، وتقسيمه وتصنيفه لمواقعها من الثقافة الحديثة، وتداخلاتها السياسية والنفسية، ليؤكد تعارضه مع أجيال سابقة من الشعراء والنقاد.
ومع أن الكثير من الأنماط الكتابية، استبدلت في هذا السياق الوعي النقدي بالمصطلح الأيديولوجي، البعد السياسي والاجتماعي، فإن التعارض المشار إليه، لم يخضع للقيم النقدية، بقدر ما خضع للقيم الأيديولوجية في أحيان عديدة، ليرمي بأولئك النقاد داخل الوطأة الطوعية، وخارج القصيدة ومفاهيمها، وشروطها، ذلك لأن الاتجاه عند هؤلاء النقاد كان متعجلا في النظر إلى النص وارتباطاته اللغوية والموضوعية، ومتعجلا في إطلاق وجهات نظره الثقافية والسياسية.
إن الكلام النقدي الذي أتى بشأن "الحداثة" عند هؤلاء النقاد، كان يفسر بوضوح معنى التعارض القائم بين مفهوم نقد الشعر عند الأجيال الماضية التي ارتبكت بثقافة كاملة ومتخصصة في ميدان الشعر، مستوفية لشروط المنهج واللغة وأدوات التحليل، وبين مفهوم نقد الشعر عند "الأيديولوجيين" الذين اتجهوا إلى القصيدة من خلال مواقعها السياسية وأدواتها المعرفية الخارجية.
ولا شك أن مثل هذا الكلام هو الذي دفع بشعراء  في المشرق والمغرب، إلى الغوص في تجربة النقد والتنظير في هذا المجال، على اعتبار أن أفضل من يفسر "الحداثة" وينظر لها الشعراء أنفسهم. فهم أكثر من غيرهم قدرة على كشف طبيعة التجديد في الشعر العربي، وعلى ربط هذا التجديد بخيوطه الفكرية، والسياسية، والتاريخية الإبداعية المتداخلة.
ولا شك أيضا أن النقاش الذي ما زال يدور حتى اليوم، بين رواد القصيدة العربية الحديثة، عن الشعر والحداثة، والأصالة والمعاصرة، والتراث الماضي والتراث الحاضر، حد من وهج النقد الأيدولوجي، وخلف تيارا جديدا من القراء، ودفع بالنقاش خطوات الى الأمام، أعاد ترتيب التجربة من جديد، فهذا النقاش نبه إلى الضرورة التاريخية التي أدت بالعامود إلى الانكسار والبحور إلى التفعيلة، والتحرر من الأوزان والقوافي.
إن ما كتب عن الشعر الحديث "أيدلوجيا" أوحى لكثيرين من متتبعي الحركة الثقافية العربية بازدهار نقدي، إلا أن الحقيقة غير ذلك،إذ تبقى تلك الكتابات في النهاية محدودة ومشروطة بالإطار في الكم، وفي القشرة، وفي هذه الحالة يبقى "أهل الحداثة أدرى بتنظيرها" ؟.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن أي حداثة يتحدثون عن أي حداثة يتحدثون



GMT 14:20 2023 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

العراق فاتحاً ذراعيه لأخوته وأشقائه

GMT 12:23 2023 السبت ,29 تموز / يوليو

أعلنت اليأس يا صديقي !

GMT 05:17 2023 الأربعاء ,05 إبريل / نيسان

اليمن السعيد اطفاله يموتون جوعاً

GMT 00:59 2022 الإثنين ,14 آذار/ مارس

بعد أوكرانيا الصين وتايون

GMT 11:30 2021 الإثنين ,20 كانون الأول / ديسمبر

عطش.. وجوع.. وسيادة منقوصة

GMT 19:57 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib