الملك الحكيم

الملك الحكيم

المغرب اليوم -

الملك الحكيم

محمد سليكي

تكاد خطب الملك محمد السادس، منذ اندلاع ما سمي بـ"الربيع العربي" إلى اليوم، لا تخلو من إثارة أزمة الحكامة في تدبير الشأن العام في المغرب، قبل أن يجري الارتقاء بمبادئ الحكامة الجيدة، من تداول النخب ومنتديات النقاش العمومي، إلى التنصيص الرسمي عليها في الوثيقة الدستورية.

لقد اعتبر العاهل المغربي، في خطاب الذكرى الواحدة والستين لثورة الملك والشعب، أن "الحكامة الجيدة عماد نجاح أي إصلاح"،  بل بمثابة الدعامة الأساسية لتحقيق أهداف أي استراتيجية إصلاحية، خصوصًا تلك المرتبطة بتحصين مكتسبات النموذج التنموي للمملكة، كرافد من روافد الإصلاح في إطار الاستقرار والاستمرارية وتثبيت دعائم السلم الاجتماعي.

وعندما تبادر أعلى سلطة في الدولة، بصفة منهجية ومصيرية، إلى ربط دخول الاقتصاد المغربي لنادي الدول الصاعدة بتبني نظام الحكامة، فإن ذلك لا يعني فقط عودة إلى الواجهة لمكانة الحكامة في الدستور أو لأدوارها في خيارات الحكومة أو المنظمات ذات الصلة، بل هناك، أيضا وأساسا، دلالة قوية على بروز الدولة كضابط (Régulateur) ومنظم (Organisateur) ولاعب استراتجي في ملاعب رفع أعمدة الحكامة وتنزيل الإصلاحات الكبرى والتقيد بمبادئ التأويل الديمقراطي للدستور.

ولعل في ذكر اختلالات الحكامة المرتبطة بالنموذج الاقتصادي المغربي وإبراز الأدوار الملحة للدولة في الإصلاحات ذات الصلة بالسلم الاجتماعي، كصندوق التقاعد والنظام الضريبي وحسن تقييم رؤية الأهداف الاستراتيجية للمشاريع المهيكلة، والاستراتيجيات القطاعية من قبيل (مخطط المغرب الأخضر واليوتيس وإقلاع)، يؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، أن الحكامة الجيدة في بلدنا تسير بسرعتين متفاوتتين بتفاوت المساحة بين النوايا والأفعال، بين الرغبة وبين الإرادة الحقيقية والفعلية.

إن حضور الرؤية الاستراتيجية وتدبير المخاطر، وهما من المؤشرات المرجعية للحكامة، التي من ضمنها أيضا المشاركة والفعالية والشفافية والتقييم واللامركزية والمسؤولية، إن حضور هذه الرؤية، وبتأطير دستوري في اشتغال الفريق الملكي على المشاريع الاستراتجية والمهيكلة، هو الذي جعل ويجعل من سرعة الحكامة الملكية سابقة وسباقة على سرعة الحضور متعدد الأوجه للحكامة في عدد من المؤسسات، المرتبطة أساسا بالسلطتين التنفيذية والقضائية.

وما يعوز الحكومة، التي بات رئيسها مستنكفا عن التمتع بصلاحياته الدستورية كاملة غير منقوصة، في محاولة مجاراة سرعة الحكامة الملكية، هو افتقادها للرؤية الاستراتيجية في إدارة عدد من قطاعات الشأن العام، وجلوس وزرائها أمام لوحات القيادة دون تملّك سلّة إجراءات تدبير المخاطر، بل وعدم تمييزها حتى بين المشاركة والتشاور.

 لذلك ليس بجديد أو غريب  أن تتعثر سرعة الحكامة عند حكومة شيدت عملها على تصريح حكومي لا يعدو أن يكون التدبير الاستراتجي ضمنه، إلا ترجمة للتوجهات العامة للدولة في إطار المشروع الحداثي الديمقراطي، الذي بلور الملك أسسه الكبرى وباشر قيادته، منذ توليه العرش، خلال عهد حكومة التناوب التوافقي مع عبد الرحمن اليوسفي، وما تلاها من حكومات، مع إدريس جطو وعباس الفاسي، ويضمن اليوم استمراريته مع حكومة عبد الإله بنكيران.

 

فالمشاريع الاستراتجية للدولة، التي لا يمكن بلورتها وتنزيلها خارج حضور مؤشرات الحكامة مجتمعة، هي محصورة دستوريا لفائدة المجلس الوزاري برئاسة الملك، الذي بغيابه ومستشاريه (الفريق الملكي)، يتحول هذا المجلس إلى مجلس حكومي برئاسة رئيس الحكومة، من مهامه السهر على تنفيذ التوجهات العامة للدولة أولا، والعمل على تنفيذ البرنامج الحكومي من خلال بلورته في مشاريع قوانين دون المستوى الاستراتجي.

والواضح أنه كلما زاغ تدبير السياسات غير الاستراتيجية للحكومة عن التقيد بمؤشرات الحكامة كاملة، كلما ظهرت الدولة في أدوار "الضابط والمنظم".. إنها آليات تدبير المخاطر، التي يخرجها اللاعب الاستراتجي الأول، لتقييم السياسات العمومية من أجل تقويمها وضمان حسن تدبيرها.

ويبدو أنه رغم مرور ما يزيد عن 3 سنوات من جلوس حكومة بن كيران على كرسي اقتسام سلطة القرار مع الملك في المجلس الوزاري ولو من باب ما يسطره الدستور، لا تزال هذه الحكومة، وخصوصًا وزراء حزب "العدالة والتنمية"، في مرحلة التمرين على تدبير الشأن العام، وفق مؤشرات الحكامة كما هي متعارف عليها، ما يعني أن هناك، كما سبق الذكر، بونا بين النوايا والشعارات، وبين السلوكات والممارسات، في عملية إعمال مبادئ الحكامة الجيدة باعتبارها تشكل التدبير السليم والمندمج، في إطار من الشفافية، لمختلف العمليات الرامية إلى تحقيق التنمية الشاملة المنشودة، من خلال مقاربة تشاركية متفاعلة وفعالة.

وهذا البون هو الذي يفرز ما يلاحظ من بطء الحكومة أو تعثر سرعتها في المشاركة في الحكم الرشيد بقواعد تدبير الدولة بدلا من استهلاك الجهود والطاقات في تسيير اليومي، أخذا في الاعتبار ما يمكن أن ينطوي عليه هذا الوضع من مخاطر، تعطي تلقائيا الشرعية والمشروعية لبروز الأدوار الطارئة للدولة في الضبط والتنظيم، وهو ما يعني أن سرعة الحكامة عند مؤسستي الحكومة والقضاء تبدو خارج الزمن الاستراتجي، في عز "فورة الحكامة الملكية"، وهذا خلل من الاختلالات الاستراتيجية في ملاعب باقي شركاء إدارة الحكم في الدولة، وهو ما يتعارض بالمطلق مع "مغرب الحكامة".

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الملك الحكيم الملك الحكيم



GMT 14:20 2023 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

العراق فاتحاً ذراعيه لأخوته وأشقائه

GMT 12:23 2023 السبت ,29 تموز / يوليو

أعلنت اليأس يا صديقي !

GMT 05:17 2023 الأربعاء ,05 إبريل / نيسان

اليمن السعيد اطفاله يموتون جوعاً

GMT 00:59 2022 الإثنين ,14 آذار/ مارس

بعد أوكرانيا الصين وتايون

GMT 11:30 2021 الإثنين ,20 كانون الأول / ديسمبر

عطش.. وجوع.. وسيادة منقوصة

GMT 19:57 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib