الرئيسية » أخبار التعليم
الذكاء الاصطناعي

لندن - المغرب اليوم

ليست مفاعيل الجائحة الكورونية كلها موتاً ودماراً وخراباً وصوراً كئيبة؛ بل إن لها بعض الجوانب الإيجابية المحمودة، ومن أهمّ تلك الإيجابيات التسريع بتنفيذ بعض المشروعات التي ظلّت رهينة التنفيذ المستقبلي بسبب نقص الجرأة والدافعية لتنفيذها.

ستشهد السنوات القليلة المقبلة الخطوات الأولى لولوج حقبة الأنسنة الانتقالية التي ستأذن بنهاية عصر الأنثروبوسين Anthropocene (وهو عصر صارت فيه السلوكيات البشرية ذات مفاعيل - إيجابية وسلبية - مؤثرة في الطبيعة) ومقدم عصر النوفاسين Novacene (وهو عصر الذكاء الفائق الذي سيغدو فيه الإنسان البيولوجي مدعماً بالوسائط الميكانيكية والإلكترونية، وفقاً لتعريف عالم المستقبليات الأميركي جيمس لفلوك James Lovelock).

يبدو جلياً من طبيعة التغيرات الجذرية التي طالت حياتنا خلال الأشهر القليلة الماضية أن التغيير الجذري الذي سيطرأ على التعليم ما قبل الجامعي، والجامعي، في السنوات القليلة المقبلة هو المَعْلَم الأعظم الذي سيسود حياتنا في عصر ما بعد الجائحة الكورونية، وسيمثّلُ هذا التغيير قاطرة تجرّ وراءها سلسلة ممتدة من التطويرات الثورية على كل الأصعدة، وبخاصة في ميدان مغادرة المرجعية القائمة على نمط الثنائية الأزلية (المعلّم - المتعلّم) لصالح منظومات تعليمية يكون فيها المتعلّم مرجعية لذاته، يعرف متطلباته وكيفية التعامل معها بطريقة كفؤة تختصر كثيراً من الوقت والجهد والمال والموارد البشرية.

تتباين الصورة المستقبلية التي قد يخلص إليها القارئ بعد إكماله قراءة الكتاب المهمّ «ضدّ الرّوْبَتة... التعليم العالي في عصر الذكاء الاصطناعي Robot - Proof: Higher Education in the Age of Artificial Intelligence» الصادر عن معهد ماساتشوستس التقني MIT عام 2018.

ومعروفٌ أن هذا المعهد يعدّ المطبخ التقني الأكثر شهرة في العالم، والذي تُطبَخ فيه التقنيات الثورية منذ بواكير تطويرها حتى دخولها طور الاستخدام التجاري واسع النطاق.

يتخذُ التباين في الصورة المستقبلية واحداً من احتمالين اثنين؛ صورة ديستوبية قاتمة، أقرب إلى روايات الخيال العلمي، يغدو فيها الذكاء الاصطناعي الفائق متجسّداً في كائنات فرانكشتاينية ستحقّق السيادة على الكائنات البشرية، ويميل معظم الناس لاعتماد هذه الصورة الديستوبية بسبب ميلٍ متأصّل في السيكولوجيا البشرية، يقرن الانعطافات التقنية الثورية بمشاهد من الرؤيا القيامية ونهاية العالم؛ في حين أن الصورة الثانية هي مقاربة هادئة تعتمد الدراسات البحثية التي لا تنفكّ تجريها مراكز الفكر والتقنية ذات السمعة العالمية المشهودة؛ وعليه ليس أفضل من الارتكان إلى منشورات الـMIT التي تُعدّ وثائق مهمة في دراسة مستقبل العلم والتقنية والجنس البشري.

ليست برامج التعليم الإلكتروني بجديدة، بعد أن أصبحت البرامج التعليمية الرقمية المجانية في السنوات الأخيرة معْلَماً أساسياً من معالم التعليم في عصرنا الحديث؛ فثمة برامج مهمة أذكر منها برنامجين مميزين، هما الأكثر فرادة بين برامج التعليم الرقمي من حيث مفردات البرامج والمنصات التفاعلية والجهات الأكاديمية التي تدير هذه البرامج، البرنامج الأول هو «Edx» الذي يديره معهد ماساتشوستس التقني «MIT» وجامعة هارفارد، والبرنامج الثاني «Coursera» الذي تديره جامعة ستانفورد إلى جانب جامعات عالمية مشهود لها بالرصانة العلمية.

تُنشر بين حين وآخر تقارير إحصائية لبيان أعداد المستفيدين من هذه البرامج التعليمية، ويُلاحظ أن الصينيين والهنود وبعض أبناء جنوب شرقي آسيا يأتون في طليعة المستفيدين من هذه البرامج الدراسية وبخاصة في موضوعات الرياضيات والفيزياء والبرمجة الحاسوبية ولغات البرمجة وتعلّم اللغات الأجنبية «وبخاصة الإنجليزية»؛ الأمر الذي يكشف أن هؤلاء يعدّون العدّة منذ وقت مبكر في حياتهم لترسيم صورة المستقبل الذي يريدونه لأنفسهم وبخطوات محسوبة بدقة ووعي، وفي العادة يرى هؤلاء في تلك البرامج الدراسية كنزاً ثميناً تنبغي الاستفادة منه إلى أبعد الحدود الممكنة، وليس غريباً أن نقرأ بصورة دورية عن شباب آسيويين يافعين في حدود العاشرة من أعمارهم، أو أكثر بقليل، وقد أكملوا برامج دراسية علمية وتقنية تكفي للحصول على درجة البكالوريوس بتفوق «وربما حتى الماجستير في أحيان أخرى».

تتمحور فلسفة التعليم الإلكتروني على جملة من الخصائص الجوهرية يبدو أن أهمها هي اثنتان؛ الأولى هي كونه تعليماً قائماً على المهارات skills based education التي يمتلكها المرء، وليس أفضل منه من يمكن أن يطوّرها في مسالكها المرغوبة، وبخاصة في عصرنا هذا الذي صار متخماً بالتشبيك المعرفي إلى مدى باتت الجامعات التقليدية عاجزة عن التعامل معه أو الإيفاء بمتطلباته.

يكتب دانييل دينيت (الفيلسوف المحبّب والمقرّب من طائفة العلماء المرموقين) العبارة التالية في إحدى مداخلاته المهمّة: «المثابة البارزة التي صارت خصيصة مميزة للنجاحات الراهنة التي حققتها حضارتنا في العقود القليلة الماضية إنما تعود في جوهرها إلى طبيعة التشبيك المعرفي والتداخل المفاهيمي بين المساعي العلمية الحديثة».

وعليه لا مسوّغ للتفكير كثيراً في مصداقية التعليم الإلكتروني والخوف من حالات الغش والتدليس فيه.

المرء في نهاية الأمر لا يسعى لشهادة تكون بمثابة صكّ مرور له لعالم العمل، بقدر ما يسعى لتطوير إمكاناته المعرفية ومهاراته المتفردة. «أرني مهاراتك قبل شهاداتك» هو عنوان العصر المقبل.

أما الخصيصة الثانية فهي تفتّت المرجعيات الحاكمة، وانزواء المركزيات الفكرية، وتراجع النخبويات الموروثة أو غير القائمة على فرادة المهارات البشرية والإمكانات العقلية.

لن تكون لدينا بعد اليوم مرجعيات فكرية ذات سطوة متغوّلة، في الجامعات العربية بخاصة، ممّن يتحصّنون في قلاعهم الجامعية ويتخذونها ملاذاً مجانياً لبناء أمجاد موهومة لهم. سيكون قطاع التعليم الجامعي مصداقاً مختبرياً لهذه الحقائق حيث سنشهد منذ الآن انعطافات ثورية في حقل التعليم «العلوم والإنسانيات بخاصة، ومن ثمّ الطب والتخصصات المهنية الدقيقة»، وستتعاظم مفاعيل هذه الانعطافات التعليمية بعد تحسين عمل شبكة الإنترنت واسع النطاق (شبكات الجيل الخامس G5) وجعلها قادرة على تزويدنا بمصادر مفتوحة للمعلومات لن يكون معها المتعلم بحاجة إلى مرجعية أستاذية على النحو السائد في وقتنا الحاضر، ومن أجل هذا يعمل المطوّرون على جعل خدمة الإنترنت مجانية في السنوات المقبلة. أما التعليم التقني فستتكفل به الشركات التقنية العملاقة لأنها أدرى بمتطلباتها، وهي أفضل من الجامعات في هذا الشأن.

ليس أمراً يسيراً على القلب أن نقبل بأن تصبح جامعات كبرى مثل جامعة أكسفورد (أقدم جامعة عالمية معروفة تأسّست عام 1096) وجامعة كمبردج (تأسّست عام 1209) أقرب لكافيهات معرفية مزوّدة للمعرفة الإلكترونية، ويزورها المرء مثلما يزور المتاحف العلمية لكي يستمتع بفنجان قهوة وهو يتطلّع إلى مقعد السير إسحاق نيوتن أو يدقق في مخطوطة كتبها أحد كبار العلماء.

هذا أمر لا يمكن قبوله بسهولة، وقد يكون شاقاً على النفس وبخاصة أن الجامعات صارت واحدة من الرموز القومية المهمة لكلّ دولة في العالم؛ لكن هذا هو بعض مميزات عصر الذكاء الاصطناعي الفائق القادم (عصر النوفاسين)، ولن يكون في وسعنا صدّه أو السباحة عكس تياره الجارف بقدر ما يتوجّب علينا تعظيم فوائده المتوقعة، والتحسّب كذلك لبعض سلبياته التي هي في نهاية الأمر سلبيات تترافق مع كل انعطافه تقنية غير تقليدية.

لن يتبقى لنا سوى التأسّي بشيء من بقايا نوستالجيا عصر يوشك على الأفول، بعد أن لاحت في الأفق تباشير عصر جديد لا نعرف أين ستقودنا مآلاته التي تعِد بكثير من المفاجآت الطيبة، ونأمل أن يكون نصيبنا من المفاجآت السيئة في أقل النطاقات الممكنة.

قد يهمك أيضَا :

المدن الذكية العالمية تنجح في احتواء فيروس"كورونا" عبر الخوارزميات الرقمية

سوني تعلن عن أول مستشعر صور يستخدم الذكاء الاصطناعي

 

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

وزارة التعليم العالي في المغرب تُعلن عن تدابير عاجلة…
وزارة التربية الوطنية في المغرب تُعلن عن تسهيلات جديدة…
عدد الطلاب الأجانب في بريطانيا ينخفض بمقدار السدس في…
وزير التعليم المغربي يُؤكد إتخاذ تدابير وإجراءات بشأن إنجاح…
مكان دراستك الجامعية وتخرّجك يعطي مؤشراً على ما يمكنك…

اخر الاخبار

48 مدينة مغربية تشهد 105 مظاهرات دعماً لقطاع غزة…
المملكة المغربية تُجدد التزامها بكرامة الإنسان خلال المؤتمر الدولي…
وزير العدل المغربي يُجري مباحثات مع نظيره المصري حول…
انطلاق أشغال الدورة العادية ال34 للمجلس العلمي الأعلى في…

فن وموسيقى

حسين فهمي يكشف تفاصيل تحضيره لمهرجان القاهرة السينمائي في…
سعد لمجرد يُصدر أغنيته الهندية – المغربية الجديدة «هوما…
المغربية فاطمة الزهراء العروسي تكشف عن استعدادها لخوض تجربة…
منة شلبي تتألق في موسم الرياض بمسرحية شمس وقمر…

أخبار النجوم

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي…
ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
سلاف فواخرجي تتألق في فيلم ”سلمى” وتسلط الضوء على…
أول تعليق من حسين فهمي بعد حصوله على جائزة…

رياضة

3 لاعبين مغاربة في قائمة المرشحين لجوائز الأفضل لعام…
"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"
محمد صلاح آقرب إلى الرحيل عن ليفربول لعدم تقديم…
مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة…

صحة وتغذية

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل…
التغذية السليمة سر الحفاظ على صحة العين والوقاية من…
أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

الأخبار الأكثر قراءة

وزير التعليم العالي المغربي يؤكد أن الدخول الجامعي يكرس…
وزير التربية الوطنية يُوجه تحيةر إلى المدرسات والمدرسين في…
وزارة التعليم العالي في المغرب تُعلن عن تدابير عاجلة…