الرئيسية » أخبار عالمية
دونالد ترامب

واشنطن ـ المغرب اليوم

انتهت الانتخابات الأميركيّة، لكن الحديث عنها قد يستمرّ طويلاً. فالساكن الجديد في البيت الأبيض سيختزل المؤسسات الدستورية الأميركيّة في كل أبعادها، من السياسيّ، إلى الاقتصادي، إلى البُعد العسكري، وهو الأهم. طوّع دونالد ترمب حزبه وغيّر ثقافته وآيديولوجيّته. همّش الحزب الآخر الذي لم يع ويفهم التحوّلات الاجتماعيّة الجذريّة في نسيج المجتمع الأميركي.

مع الفترة الثانية للحكم، ستكون يد ترامب طليقة، خصوصاً وقد سيطر حزبه الجمهوري على الكونغرس ككل. وبحكم سيطرته على مجلسي الشيوخ والنواب، تبدو يد الرئيس المنتخب طليقة في صنع السياسات الخارجيّة، وهي سياسات بدت في جوانب كثيرة منها غير متوقعة خلال فترة حكمه الأولى (بعد انتخابات 2016). ومن هذا المنطلق، يمكن طرح التساؤل عما سيكون عليه حال العالم مع ترمب «اللامتوقّع»؟

يملك ترمب القرار، كما يملك وسائل التنفيذ. يقود دولة يبلغ حجم اقتصادها ربع حجم الدخل القومي العالمي ككل، ومع موازنة عسكرية هي أكبر من مجموع الموازنات العسكريّة لباقي دول العالم، بما في ذلك الصين وروسيا. يكره ترمب التحالفات، كما يكره المؤسسات الدوليّة التي تخدم النظام العالمي القائم. يُسوّق نفسه اليوم على أنه رجل سلام يريد وقف الحروب في العالم، مُبسّطاً بذلك ومُسطّحاً تعقيدات العلاقات الدولية والصراعات الجيوسياسيّة. يعود ترمب بعد أربع سنوات إلى عالم تغيّر كلّياً، وأصبح في مرحلة ما قبل الحرب العالميّة الثالثة. يُنظّر المفكّر الأميركي ستيفن كوتكين، وهو المتخصص بالاتحاد السوفياتيّ، الذي كتب عدة كتب عن جوزيف ستالين ومصطلح عبادة الشخص، فيقول، بما معناه، إنه يجب وضع الشخص في منظومته السياسيّة، وهو ما يفترض الإقرار بالاختلاف التام بين نظامي الحكم الأميركي والسوفياتيّ. ويتابع: «صحيح أن مصطلح عبادة الشخص تجسّد مع ستالين، لكن لستالين شخصية فريدة». وهكذا يبدو حال ترمب اليوم. شخصية فريدة، من وجهة نظر مؤيديه.

عند التوقّع الجيوسياسيّ، لا بد من رصد مصادر (Locations) التحوّلات الكبرى، أو بالأحرى الديناميكيات. من أين تبدأ، وكيف تؤثّر تموّجاتها على مستوى النظام العالميّ. وعليه وجب الاعتماد على النظريات الجيوسياسيّة لفهم الواقع. غير أن النظريات لا تعطي الحلول عادة، لكنها في الحد الأدنى تحدّد الاتجاه (Direction). ولعل أهم هذه النظريّات هي نظريّة هالفورد ماكندر وكذلك نظريّة نيكولا سبايكمان. يحدد الأول أهميّة السهل الأوراسيّ، أو «الهارتلاند». فمن يسيطر عليه يتحكّم بمصير العالم. أما سبايكمان فهو يقول بالسيطرة على الشواطئ (الريملاند) التي تحتوي «الهارتلاند». فمن يسيطر عليها يسيطر على العالم. تغيّر «الهارتلاند»، كما تغيّر «الريملاند» كثيراً، بعد نهاية الحرب الباردة. هناك ديناميكيّة داخل «الهارتلاند» تحصل حالياً، وذلك بسبب تراجع روسيا وصعود الصين، الأمر الذي أعطى دول السهل الأوراسيّ حريّة جيوسياسيّة كبيرة. كما أن هناك تحوّلات كبرى على مستوى «الريملاند»، أهمّها صعود الهند، واحتمال أن يكون المحيط الهندي مركز ثقل الصراع الجيوسياسيّ في القرن الـ21.

في هذا الإطار، ابتكر المفكّر جورج فريدمان نظرية جديدة ترتكز على ما يلي: إن مركز ثقل العالم موجود إلى الشمال من مدار السرطان. في هذه المنطقة تقع أهم دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، والدول الأوروبية، وروسيا، والصين، وأجزاء من الهند. تحوي هذه المنطقة أيضاً أهم اقتصادات العالم، وكذلك الثقل الديموغرافيّ، عدا عن أنها تحوي الترسانة النوويّة في العالم. منها تنطلق الديناميكيات، ومنها تتشظّى إلى أرجاء الكرة الأرضيّة. في هذه المنطقة أهم ثروات الطاقة في العالم، ولكن تدور فيها حروب عديدة. أهمّها الآن الحرب الأوكرانية، التي أصبحت بمثابة حرب عالمية بعد التدخّلات الخارجية لدعم الطرفين المتحاربين (الغرب مع أوكرانيا، وإيران وكوريا الشمالية مع روسيا، هذا عدا عن التدخّل الصيني الداعم لروسيا أيضاً بطريقة غير مباشرة، حسب ما يقول الغرب).

في الحقيقة، عمّت تموّجات (Ripples) هذه الحرب كل العالم. فهي خلقت مشكلة غذاء بسبب توقّف شحن القمح. كما خلقت أزمة طاقة (بسبب العقوبات الأوروبية على صادرات روسيا)، وقد تؤدّي إلى استعمال السلاح النوويّ، حسب تلويح بعض المسؤولين الروس. في هذه الحرب، تبيّن أن دولة لا تملك السلاح النووي، وهي أوكرانيا، ردت على الهجوم الروسي على أراضيها بالإقدام على احتلال أرض - منطقة كورسك - تابعة لدولة نوويّة تمتلك أكبر ترسانة في العالم.

إلى جانب الحرب الأوكرانيّة، هناك حروب متعدّدة تدور في منطقة الشرق الأوسط، سواء في غزّة، أو لبنان، أو حتى اليمن. هذا عدا النزال المباشر بين إيران وإسرائيل. وإضافة إلى كل ذلك، تفيد تقارير بأن الصين تدرس أداء الأسلحة الغربيّة على كل مسارح الحرب، وذلك من أجل استخلاص الدروس لحرب محتملة مع الغرب حول جزيرة تايوان.

الحدث الجيوسياسيّ... ترمب رئيساً

يعدُّ انتخاب ترمب الحدث الجيوسياسيّ الأهم في العالم اليوم. وهو، وحسب نظرية فريدمان أعلاه، سيبعث بتموّجات وديناميكيّات مقلقة للبعض، وجيّدة للبعض الآخر، وبكل الاتجاهات. ويعود سبب هذا التأثير إلى أمرين مهمّين هما: أوّلاً، طبيعة الشخص وتجاربه السابقة في الحكم، ثانياً، قدرات الولايات المتحدة الأميركيّة على التأثير في مجريات الأمور.

ماذا سيفعل ترمب في أوكرانيا، وهو الذي صرّح بأنه قد ينهي الحرب في يوم واحد. في هذا الإطار، صرّح نائب الرئيس الأميركيّ المُنتخب جي دي فانس، قبل انتخابه، بأن مشروع الحلّ للحرب الأوكرانيّة قد يكون على الشكل التالي: منطقة منزوعة السلاح على طول 1000 كلم لكنها محصّنة وبشكل لا يمكن اختراقها من قبل القوات الروسيّة. تحتفظ روسيا بالأرض التي احتلتها، وهي تقارب الـ20 في المائة من مساحة أوكرانيا. تطمين روسيا بالحياد الأوكراني والوعد بعدم الانضمام إلى حلف الناتو سوى بعد مرور 20 سنة.

ولكن ماذا لو لم تقبل أوكرانيا بذلك؟ وماذا عن الدول الأوروبيّة ومصير حلف الناتو؟ في هذا الإطار، يبدو أن موقف ترمب هو على الشكل التالي: أوروبا غنيّة. وهي قادرة على الدفاع عن نفسها، كما أن أوكرانيا هي مسألة أوروبيّة وبامتياز. فلماذا تُحمّل أميركا كل الأعباء؟ وتحضيراً لتسلّم ترمب الرئاسة كتب أمين حلف «الناتو» السابق ينس ستولتنبرغ مع معناه إن ما يقوله ترمب عن أوروبا وعلاقتها بروسيا صحيح، فهي تخلّت عن بناء قواتها العسكريّة، واعتمدت على الغاز الروسي. لكنه يتابع ليقول إن حلف «الناتو» أقوى اليوم من السابق، وإن أسرع طريقة لوقف الحرب هي الاستسلام، وهذا غير ممكن، وإن الطريق الوحيد للوصول إلى السلام هو عبر ضخّ المزيد من السلاح لأوكرانيا، خصوصاً وأن بوتين «قادر على استشعار ضعف الخصم لكنه حتماً يحترم القوّة».

لكن ماذا سيفعل ترمب حيال الحرب في الشرق الأوسط؟ ترمب، كما هو معروف، كان الرئيس الأميركي الذي نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، واعترف بسيادة إسرائيل على الجولان، وهو الذي اغتال قائد «فيلق القدس» الإيراني قاسم سليمانيّ، وانسحب من الاتفاق النووي مع طهران؟ لكن ترمب يعود اليوم إلى الرئاسة مع شرق أوسط مختلف تماماً عما كان عليه عام 2020. يعود وإيران أصبحت حليفة وثيقة لروسيا.

وكيف سيتعامل ترمب مع الهند في إطار هدف أميركا إيجاد طرف يحقق التوازن مع الصين، علماً بأنه يبشّر برفع التعرفة على البضائع الهنديّة؟

يقول خبراء إن التحدّي الأكبر لترمب سيكون مع التنين الصيني. فالصين هي المنافس الأساسي لأميركا، عسكرياً وتكنولوجياً وجيوسياسيّاً وفي كلّ المجالات. وهي التي أصبحت تمتلك أكبر أسطول بحري في العالم لجهّة عدد القطع البحريّة. وهي التي بدأت تجري المناورات البحريّة حول جزيرة تايوان تمهيداً لإعادتها يوماً ما إلى حضن الوطن الأم، حسب ما تقول بكين، علماً بأن تايوان تُعدُّ بالمعنى الجيوسياسيّ أهم عقدة تربط اليابان بالفلبين وماليزيا، وصولاً إلى مضيق مالاكا أحد أهم المضايق في العالم. فإذا سقطت تايوان ستفتح كلّ البحار في العالم للبحريّة الصينية، الأمر الذي سيغيّر صورة النظام العالمي الحالي جذريّاً. فهل فعلاً ستكون أميركا عظيمة كما يريدها ترمب إذا تخلت عن مناطق نفوذها في العالم، خصوصاً في محيط الصين؟

في الختام، وقبل تغيير العالم عبر الانسحاب منه تبقى أسئلة مهمة:

كيف سيُنفذ ترمب وعوده الانتخابيّة للداخل الأميركي؟ كيف سيُرحّل ملايين المهاجرين غير الشرعيين؟ كيف سينتقم من وزارة العدل والمدعي العام الذي أراد سجنه. كيف سيتعامل مع أجهزة الاستخبارات، وكيف سيتعامل مع البنتاغون والعسكر؟ وكيف سيُخفض الضرائب والدين الأميركي بلغ 35 تريليون دولار؟ أسئلة كثيرة ستنتظر أجوبتها بالطبع بدء ولاية ترمب الثانية.

قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :

المروحيات الإسرائيلية تحلّق في أجواء الجنوب وترامب يمنح الضوء الأخضر لتسوية بلبنان ونقطة شائكة تعرقل الاتفاق وإيران تُعلن مساندة بيروت

 

دونالد ترامب يتعهد بمنح الأولوية للوضع في الشرق الأوسط وشدد على ضرورة إيقاف الصراع الروسي الأوكراني

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

الكونجرس الأمريكى تيد كروز يُعلن أن حروب أوكرانيا والشرق…
هاكان فيدان و أحمد الشرع يدعوان إلى رفع العقوبات…
مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض يُعلن أن إيران قد…
دونالد ترمب يختار منتج برنامجه التلفزيوني الواقعي مبعوثاً خاصاً…
إيمانويل ماكرون يدعو إلى إلقاء السلاح ووقف إطلاق النار…

اخر الاخبار

إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات في ميناء طنجة المتوسط…
مُباحثات مغربية بحرينية لتعزيز التعاون في مجالات التنمية الاجتماعية
الحكومة المغربية تُصادق على تُعين المهندس طارق الطالبي مديراً…
وزير العدل المغربي يُقدم أمام مجلس الحكومة عرضاً في…

فن وموسيقى

لطفي بوشناق يقدّم أغنية لبيروت ويتضامن مع المدينة الجريحة…
سلاف فواخرجي تفوز بجائزة أفضل ممثلة بمهرجان أيام قرطاج…
كاظم الساهر يسّتعد للعودة للغناء في المغرب بعد غيابه…
المغربي حاتم عمور يستنكر عدم حصوله عن أي جائزة…

أخبار النجوم

أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن…
زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
محمد رمضان يُشعل مواقع التواصل بمسابقة وجائزة ضخمة
أزمات قانونية تنتظر عمرو دياب في العام الجديد

رياضة

محمد صلاح بين الانتقادات والإشادات بسبب صورة عيد الميلاد…
المغربي حكيم زياش لا يمانع الانضمام لصفوف الوداد في…
محمد صلاح ينفي شائعات التجديد مع ليفربول ويؤكد أن…
المغربي أشرف حكيمي ضمن أفضل 100 لاعب لسنة 2024

صحة وتغذية

المغرب تصنع أول دواء من القنب الهندي لعلاج الصرع
نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
وزارة الصحة المغربية تكشف نتائج التحقيق في وفيات بالمركز…
اختبار عقاراً جديداً يُعيد نمو الأسنان المفقودة

الأخبار الأكثر قراءة

رئيس الوزراء البريطاني يؤكد أنه «لا ينوي التحدث» مع…
الحوثيون يستهدفون نقاطا عسكرية للقوات الإسرائيلية في يافا وعسقلان
الجيش الإسرائيلي يعلن قصف أكثر من 200 هدف في…
شولتس يكشف طريقة تفكير بوتين في حرب أوكرانيا
الجيش اللبناني يعلن مقتل جنديين في "استهداف" إسرائيلي