الرئيسية » حوارات وتقارير
صادرات الفوسفاط

الرباط - كمال العلمي

في خروج نادر، تحدث مصطفى التراب، الرئيس المدير العام لمجموعة “المكتب الشريف للفوسفاط” (OCP)، عن مسار الشركة قبل تعيينه على رأسها واستراتيجيته التي طبقها ونجح بها في نقل هذه المؤسسة إلى بر الأمان والأرباح التي حققتها بعدما كانت تتكبد الخسائر قبل عقدين من الزمن، كما تطرق لاستخراج الفوسفاط في الصحراء المغربية.وقال التراب، في حوار أجراه معه برنامج “Creating Emerging Markets” التابع لكلية هارفارد للأعمال، إن تعيينه على رأس الشركة عام 2006 كان بسبب علامات الاستفهام التي طرحتها الحكومة آنذاك حول وضعية “المكتب الشريف للفوسفاط” التي كانت شركة “خاسرة”، وفق تعبيره.

وأضاف التراب، في الحوار المنشور الأسبوع الجاري على موقع الكلية الأميركية المرموقة، قائلا: “في الحقيقة، لم تكن شركة، حيث كان حرف O يشير إلى مكتب، لقد كانت شبه حكومية يديرها بيروقراطيون إن جاز التعبير، لكن كانت في وضع مالي صعب في تلك السنوات، ولم يكن ذلك متناسباً مع حجم احتياطات الفوسفاط في المغرب”.وتابع: “كان هناك سؤال بخصوص هذا الوضع، لقد كنت رجلاً يواجه التحديات أو ربما مجنوناً بعض الشيء في قبول التحديات، لذلك طلبوا مني أن أنظر إلى هذا الموقف وأقول ما إذا كنت على استعداد لحل المشكلة، هذا هو التحدي وكانوا يعلمون أني لن أرفضه”.

كيف يمكن لشركة تدبر 70 في المائة من احتياطات الفوسفاط في العالم أن تكون كياناً خاسراً؟ يجيب التراب على سؤال جيفري جونز إيسيدور شتراوس، أستاذ تاريخ الأعمال في الكلية، بالقول: “هذا هو السؤال الذي طرحناه على أنفسنا، كانت الإجابة عبارة عن مجموعة من الأشياء، لكن بشكل أساسي كانت الحقيقة أن الشركة ظلت تعمل في مجال التعدين، وكان نشاطها الأساسي هو بيع الخام، أو ما نسميه صخور الفوسفاط”.وأشار المسؤول الأول عن أكبر شركة مغربية إلى أن “اعتماد OCP على بيع الخام لم يكن مربحاً، لأن سعر الفوسفاط ظل مستقراً حتى بالدولار الإسمي لمدة 30 سنة، ولك أن تتخيل؛ لم تكن التكاليف مستقرة. كنا في شركة كان مُنتجها الرئيسي ينخفض بالقيمة الحقيقية للدولار في حين كانت التكاليف تتجه نحو الأعلى، وهذا ما أدى إلى الخسائر السنوية”.

سوء تدبير أم ماذا؟
في البداية، نظر التراب إلى ما إذا كان الأمر نتيجة سوء تدبير أم لا، وكشف أن خطوته الأولى في هذا الصدد كانت التوجه إلى مكتب الاستشارة الأميركي “Kroll” الذي قام بعمليات التدقيق في شركة الطاقة الأميركية التي أعلن إفلاسها عام 2001.

كان تقرير مكتب الاستشارة الأميركي يشير إلى أن المشكل لدى المكتب الشريف للفوسفاط ليس مرتبطاً بسوء تدبير، بل بسبب غياب الاستراتيجية. وبناءً على ذلك، تم إصلاح الأمر. يقول التراب: “اعتمدنا استراتيجية منطقية جداً تقوم على الانتقال إلى المنتج النهائي، وكان علينا أن نمر من سلسلة القيمة إلى مجال أعمال زبائننا، أي الأسمدة. لقد قررنا أن المخرج الوحيد هو إضافة قيمة في البلاد لصخور الفوسفاط وإنتاج العديد من المنتجات النهائية منه. مباشرة بعد اعتماد هذه الاستراتيجية، تم الاستثمار بكثافة في إنتاج الأسمدة وإخراج الشركة من وضعها بسرعة إلى حد ما”.بمجرد ما قررت الشركة أن مستقبلها يكمن في المنتج النهائي، تم تنفيذ برنامج استثماري ضخم لبناء المصانع لتحويل الخام، لكن ذلك لم يتم من الميزانية العمومية، بل تم اللجوء إلى السندات الدولية، حسب التراب، وهو ما تطلب آنذاك التحول إلى هيكل قانوني مختلف، أي التحول إلى شركة، وهو ما تحقق في عام 2008 حيث أصبحت خاضعة لقانون الشركات بدلاً من القانون الإداري.

كيف يمكن المرور نحو إنتاج الأسمدة بدون تجربة؟ السر يكمن، وفق التراب، في تطوير الشركة في الثمانينات والتسعينات جزءاً صناعياً كان ينتج حمض الفوسفوريك، وهو منتج وسيط وليس منتجا نهائيا، لكنه يتطلب بعض المعالجة الصناعية، لذلك كانت هناك بالفعل ثقافية صناعية في الشركة.وكشف التراب، ضمن الحوار ذاته، أنه في “غضون سنوات، انتقلت القدرة الإنتاجية من الأسمدة من 2 مليون طن إلى 12 مليون طن، وهو أمر تطلب استثماراً ضخماً بحوالي 10 مليارات دولار طيلة 10 سنوات، بمعدل إحداث مصنع كل سنة، وكان من الضروري تدريب الموارد البشرية”.

أزمة الموارد البشرية
كانت الشركة تُعاني من مشكلة تتمثل في وصول فئة كبيرة من الموظفين إلى مرحلة التقاعد بعدد يناهز 10 آلاف، ولذلك تم فتح باب التوظيف بشكل كبير ما بين 2006 و2015، والغالبية من الموظفين الجدد كانوا من الشباب غير المتمرسين، لأن الأمر يتعلق بعمل جديد، لكن تم وضع نظام تدريب وتكوين مكثف داخل الشركة.وتحدث التراب عن مواجهة الشركة تحديات تقنية تتمثل في الاستثمار بشكل مكثف في القدرات الصناعية وزيادة التمويل، موردا أن “التحدي الرئيسي لم يكن تغيير الثقافة، بل العقلية، لقد غيرنا عملنا الأساسي في غضون سنوات قليلة، وتحولنا من كوننا منتجاً وبائعاً للصخور إلى منتج وبائع للأسمدة، وكان علينا أن نكون أقرب للمزارعين والقطاع الزراعي”.كانت منهجية الشركة تقوم على أن يتملك الشباب الذين تم توظيفهم الأولويات المحددة والثقة في قدراتهم وتوفير كل الوسائل لهم لتحقيق الأهداف، وهو رهان تم كسبه من خلال تحقيق إنجازات وصفها التراب بالمعجزات، وقال إن تعريفه للنجاح هو الشعور بالرضى عن النفس.

كانت الشركة بحاجة لتطوير الهندسة داخلياً، ولذلك تم اللجوء إلى أفضل شركة فوسفاط في العالم “Jacobs Engineering” في الولايات المتحدة الأميركية، وعقد اتفاق معها لإنشاء مشروع مشترك مع المغرب باسم “JESA”، وكان ذلك ناجحاً، حيث تتوفر الشركة اليوم على 2000 مهندس، 95 في المائة منهم مغاربة.كما تحدث التراب عن اهتمام “OCP” بالتعليم من خلال إحداث جامعة محمد السادس متعددة التخصصات عام 2017 بهدف تدريب موظفيها في مجالات علمية محددة للغاية، وقد تطورت بشكل سريع لتفيد أهداف المكتب، بل أصبحت تساهم في الابتكارات التي تخدم المغرب والقارة الإفريقية.

فوسفاط الصحراء
كان موضوع الصحراء المغربية حاضرا ضمن الحوار، وبالضبط بخصوص استخراج الفوسفاط، وهو موضوع كثيراً ما يثار إعلامياً دون تمحيص، وقد رد عليه التراب بالقول: “تشغيل منجم الفوسفاط بالصحراء المغربية لم يبدأ معنا، هذا الجزء من المغرب احتلته إسبانيا لسنوات عديدة، وأنشأت الحكومة الإسبانية شركة تسمى فوسبوكراع لاستخراج الخام هناك، وعندما استعاد المغرب أراضيه استحوذ المكتب الشريف للفوسفاط على 65 في المائة من أسهم تلك الشركة وظلت الحكومة الإسبانية مساهماً بنسبة 53 في المائة ثم اشتريناها في عام 2000”.وللرد على الادعاء بأن معظم احتياطات الفوسفاط توجد في المناطق الجنوبية، قال التراب: “هذا ليس صحيحاً، الأمر يتعلق بـ2 في المائة فقط من الاحتياطات، لأن رواسب الفوسفاط الرئيسي توجد في شمال المغرب، وهذا رقم صادر عن هيئة المسح الجيولوجي الأميركي (USGS) والمركز الدولي لتطوير الأسمدة (IFDC)”.

وأوضح التراب أن “الأمم المتحدة لم تعترف بهذه المناطق كأرض مغربية حتى الآن، حيث تعتمد المصلح التقني [إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي]”، وأشار إلى أن “هناك معايير للأمم المتحدة لتشغيل الموارد الطبيعية في مثل هذه المناطق تؤكد ضرورة أن تعود أغلب فوائد هذه العمليات إلى السكان المحليين، في حالتنا الأمر ليس حتى في الأغلب، بل بالكامل، لأن الأمر يتعلق بشركة منفصلة لها حساب منفصل ولا توجد أرباح تتحرك، بل يتم إعادة ضخها جميعاً في الشركة واستثمارها في عملياتنا في المنطقة، ومعظم الموظفين من السكان المحليين”.وذكر التراب أن “المغرب يمتلك 70 في المائة من احتياطات الفوسفاط في العالم، وهي غير ثروة متجددة لكنها ثمينة جداً للأمن الغذائي”، وأكد أن هيئة المسح الجيولوجي الأميركي تؤكد أن هذه الاحتياطات تمثل 400 سنة على الأقل من الفوسفاط، وذلك خلافاً لما يتم الترويج له لإثارة الذعر.

النفس والنية والمسار
في حواره المطول، أشار مصطفى التراب إلى أن مجموعة “OCP” تشتغل بمعتقدين أساسيين؛ الأول هو “النفْسْ”، وشرح ذلك بعدم الاكتفاء بما تحقق والسعي إلى المزيد والتحدي المستمر للنفس، والثاني هو “النية”، ويعني بها صدق النية والاعتقاد بأن “لا شيء يتفوق على صدق النية ولا يمكن الفوز إلا بصدق النية، والإيمان بهذين المعتقدين يترجم إلى قيم، لكن مع ذلك لا نصر على القيم، بل على المعتقدات الأساسية”.بدأ التراب، الذي ارتبط نجاح مجموعة “OCP” باسمه، دراسته في التعليم الفرنسي في المغرب وانتقل إلى فرنسا حيث درس الهندسة في مدرسة القناطر والطرق في باريس، وواصل تعليمه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بأميركا. وفي عام 1982، قبل أن يكمل درجة الدكتوراه في المعهد نفسه، عمل في شركة “bechtel corporation” في سان فرانسيسكو، وأصبح عضوا في هيئة التدريس في معهد “rensselaer polytechnic في نيويورك.

لاحقاً، عاد التراب إلى المغرب وأصبح عام 1994 مستشاراً لدى الملك الراحل الحسن الثاني، كما شغل منصب الأمين العام للقمة الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي مبادرة استضافها المغرب كانت تسعى لتوطيد السلام في الشرق الأوسط من خلال سلسلة من المؤتمرات التي تركز على التعاون الاقتصادي والاستثمار، وهي القمة التي انهارت بعد اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين.في عام 1998، عُين التراب مديراً عاماً للوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، إذ كانت الدولة آنذاك تسعى لخلق منافسة في قطاع الاتصالات كجزء من جهودها لدعم اقتصاد قائم على السوق من خلال استثمارات القطاع الخاص، هذه الخبرة في قطاعات الاتصالات أهلته للعمل خبيرا لدى البنك الدولي عام 2002 حيث كانت مهمته تنظيم وكالات تقنين الاتصالات في بلدان عدة مثل السنغال وغانا.

عام 2006، تم تعيين التراب مديراً عاما للمكتب الشريف للفوسفاط، وبعدما تم تحويل المكتب إلى شركة أصبح التراب الرئيس المدير العام لها، وظلت الحكومة المساهم الأساسي فيها بنسبة 95 في المائة.وفقاً لآخر الأرقام الرسمية، حققت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (OCP) أرباحاً تقدر بـ28.2 مليار درهم في عام 2022، وهو رقم قياسي بالنظر إلى الارتفاع الكبير لأسعار الأسمدة في العالم، بعدما كانت الأرباح في حدود 16.3 مليار درهم في 2021، و3.2 مليار درهم في 2020.وتعتبر “OCP” اليوم من أكبر المساهمين في ميزانية الدولة، إلى جانب الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح الخرائطي وبنك المغرب واتصالات المغرب. وفي دجنبر من العام الماضي، أعلنت الشركة عن برنامج استثماري ضخم في الطاقات المتجددة وتحلية مياه البحر بميزانية قدرها 130 مليار درهم.

قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :

المكتب الشريف للفوسفاط يستحوذ على شركة "GLOBALFEED S.L"الأسبانية

مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تُواكب تطلعات الشباب في القطاع الفلاحي

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

خبير يُقدر الخسائر المادية والبشرية لزلزال المغرب بالمليارات
والي بنك المغرب يكشف كيف واجه الملك الراحل الحسن…
تركيا تؤكد أنه لا بديل من اتفاق تصدير الحبوب…
اليماني يكشف عن وجود تواطؤ بين شركات المحروقات في…
رباح يُصرح "لا يمكن لدولة تنافقنا ولا تعترف بالصحراء…

اخر الاخبار

ملك المغرب يتجول في العاصمة الفرنسية رفقة ولي العهد…
الملك محمد السادس يُوجه الشكر إلى رئيس جمهورية بنما…
السكوري يُجري مشاورات مع جميع الفرق البرلمانية بشأن مشروع…
انتخاب المغربي عمر هلال رئيساً لمؤتمر إنشاء منطقة خالية…

فن وموسيقى

منة شلبي تتألق في موسم الرياض بمسرحية شمس وقمر…
تتويج المغربي محمد خيي بجائزة أحسن ممثل في مهرجان…
رافائيل نادال يختتم مشواره ويلعب مباراته الأخيرة في كأس…
الذكرى التسعين لميلاد فيروز الصوت الذي تخطى حدود الزمان…

أخبار النجوم

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
سلاف فواخرجي تتألق في فيلم ”سلمى” وتسلط الضوء على…
أول تعليق من حسين فهمي بعد حصوله على جائزة…
مها أحمد تسخر من قلة العمل وكثرة النجوم على…

رياضة

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة…
محمد صلاح في المركز الثاني كأفضل هدافي الدوري الإنكليزي…
بيب غوارديولا يكشف سبب تمديد تعاقده مع مانشستر سيتي
كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

صحة وتغذية

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على…
فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً
وزير الصحة يُشير أن نصف المغاربة يعانون من اضطرابات…

الأخبار الأكثر قراءة

كريستين لاغارد ترى أن المصارف المركزية قد تواجه تقلبات…