الرئيسية » عالم الثقافة والفنون
الإجحاف الكبير الذي مُورس ضدّ الثقافة الشّرقية،

القدس المحتلة - المغرب اليوم

شكل المفكّر الفلسطيني إدوارد سعيد (يوم 25 أيلول/ سبتمبر الجاري ذكرى وفاته الثامنة عشر) ثورة حقيقيّة، إذْ أنّه ثار على كلّ المُعتقدات والصُور النمطية التّي صوّرت الشرق على أنه مجرد تابع لما يسمى بالغرب المتحضّر الّذي يملكُ بوصلة كلّ شيء. استطاع إدوارد سعيد أنْ يغيّر كلّ هذا من خلال كتابه الأبرز والأشهر «الاستشراق» الذي أثار جدلًا واسعاً حالَ صدوره العام 1978، إذ ناقش الإجحاف الكبير الذي مُورس ضدّ الثقافة الشّرقية، ونتج عنه سوء فهمٍ كبير لكلّ ما يتعلّق بالشّرق. من خلال الكِتاب، تمكّن من أنْ يصحّح الكثير من المفاهيم المغلوطة، كما أنه أسّس لمدرسة نقديّة جديدة بعيداً عن كلّ الأفكار المكرّسة التي تخدم الغرب بصفته أساس الحضارة، ومصدر كلّ شيء جيد.اطلعتُ على دراسة نقديّة قام بها الكاتب والناقد الجزائري لونيس بن علي، جاءت في كتاب بعنوان «إدوارد سعيد من نقد خطاب الاستشراق إلى نقد الرواية الكولونيالية» (الصادر عن دار ميم 2018)، وقد تبع العنوان سؤال مفاده: كيف نؤسس للوعي النقدي؟شرح لونيس بن علي في هذه الدراسة مفهوم ما بعد الكولونيالية الذي يُعتبر إدوارد سعيد أهم مؤسّسيه. ناقش أيضاً الكثير الجوانب في حياة إدوارد سعيد، كما أنّه تطرق إلى أكثر من كتاب، وليس كتاب «الاستشراق» فحسب.تحدّث عن اشكالية السلطة والمعرفة، التي ربطت حبلَ الوِصال مع الاستعمار الذي كان يلبس طقية إخفاء تسمّى «الاستشراق»، بل تعدّاها إلى «الثقافة والامبريالية».

وكما |أوضح أنّ مهمة المثقّف هي «أنْ يقول الحقيقة في وجه السُلطة»، وصولاً إلى كتاب إدوارد سعيد الموسوم بـ«كتاب العالم والنصّ والناقد» الذي تناول أيضاً النّقد كما عبّر عنه لونيس بن علي: «النقد هو شكلٌ من المقاومة للسلطة الإقصائية للثقافة، ولسلطة الخطابات، ولسلطة، المناهج، ولسلطة الدولة».تعرّض أيضاً إلى النظرية الأدبية وصولاً إلى النظرية الأدبية وإدوارد سعيد، في حين أنّ البحث الثاني جاء بعنوان «من نقد النّسق الديني للنقد إلى تشكّل معالم النقد الدنيوي».ناقشَ كذلك الأنساق المعرفية لنظرية الرواية عند إدوارد سعيد إذ يقول: «كان الدافع من وراء الإلحاح على الرواية الأوروبيّة أنْ النقدَ الروائي الأوروبي بكلّ تياراته ومناهجه قد أغفلَ، وعلى نحو فاضح دراسة التعالقات الموجودة بين الثقافة عموماً، والرواية خصوصاً، بالظاهرة الإمبريالية، ومدى مساهمة السّرد الروائي في العملية الإمبريالية، ومدى تأثير هذه الأخيرة على أنظمة التمثيل السردي».ناقشَ كذلك موضوع دراسة إدوارد سعيد التي تذهب إلى البحث في المعرفة الحقيقية التي لم تتشوه بالسياسة وعبّر عنها بأنّها معرفة غير حقيقيّة، في حين أنّ المعرفة الحقيقية هي التي تتجاوز السيّاسة وأُطرها. ولم تغرق كما أوضح في دوّامة المُعتقدات والإيديولوجيات.تناول أيضاً جانباً مُهمّاً من دراسة إدوارد سعيد بحكم موضوع الاستشراق بوصفه خطاباً «يجعله ينتبه إلى مُعطى مُهمٍّ وخطير في الآن ذاته هو ظاهرة الحظر الذي فرَضتْه المؤسسة الأكاديمية الغربية على حقول المعرفة، ومن تداعيات ذلك أنْ جعلت هذه العُلوم والمناهج أدوات في خدمة السلطة السياسية».

وسلّط لونيس بن علي الضوء على أفكار إدوارد سعيد التي ما زالتْ إلى أيامنا هذه، تصنع الفارق، خاصة تلك التّي تتعلّق بالاستعمار ذي الأوجه المتعدّدة. إذ يرى أنّ «الاستعمار ليس الاستحواذ العنيف على أراضي الآخرين فحسب، لكنّه سلسلة من إعادة تشكيل الجماعات البشرية التي سكنتْ هذه الأراضي، لهذا فإن ما يُميّز الاستعمار الحديث عن أشكال الاستعمار في تاريخ الحضارة الإنسانيّة أنّه استعمار من نوع علمي، لم يكتفِ بالسلاح فقط، بل اعتمد على العلم والتقنية».ناقشَ لونيس بن علي من خلال هذا الكتاب جُلّ ما طرحه إدوارد سعيد من قضايا ما زالتْ تشكّل إرهاصاً كبيراً للإنسان المعاصر، كما أنه أثار الكثير من التساؤلات النّقدية وخاصّة تلك التي تقول «الحقيقة في وجه السلطة» كما أسلفتُ الذكر.جاء كتاب «إدوارد سعيد من نقد خطاب الاستشراق إلى نقد الرواية الكولونيالية» ليُحيي أفكار إدوارد سعيد التي نحن بأمسّ الحاجة إليها، كي تناقش الراهن المأزوم، كما أن الكتاب هو إعادة احياء تاريخ رجُل كان كما وصفه أحدهم «الصوت الأكثر قوّة». تمكّن من أنْ يقول إنّ الخطاب الاستشراقي الغربي ما هو إلا وهم.

ومنح إدوارد سعيد الكتابة روح المقاومة، فهو المُدافع عن القضايا الإنسانية الكُبرى كالقضية الفلسطينية، التي كانت قضيّته الأهم، وقد عبّر من خلالها، عن الهويّة والانسان، فضلاً عن أنه كسَر جدار الكذب المنيع الذي صنعه الغرب كي يحافظوا دائماً على الريادة الزائفة.لا تكفي الكتابة لتُعيد احياء ذكرى وفاة أكثر الأموات حضوراً ورهبة، بل يجبُ أن نحيي فكره لنؤسّس لمنظور نقدي جديد ينطلق من إدوارد سعيد ليطلّ على العالم بأسره بفكرٍ يصدح بالحقيقة ولا شيء غيرها.

قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :

مديرية الثقافة في الجديدة تدشن دخولها الثقافي من المكتبات العمومية

وزارة الثقافة المغربية تسطر هياكل التعليم والبحث في المعهد الملكي

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

مصر تضع اللمسات النهائية لافتتاح المتحف المصري الكبير أحد…
معرض الشارقة للكتاب يضم مشاركة 112 دولة والمغرب يحل…
حاكم الشارقة يعلن اكتمال المعجم التاريخي للغة العربية والانتهاء…
وزارة الثقافة المغربية تدعم 412 مشروعاً في قطاع النشر…
وزارة الثقافة السعودية تحصد وسام أخلاقيات الذكاء الاصطناعي 2024

اخر الاخبار

أخنوش يؤكد أن الملك محمد السادس يتابع تعبئة الموارد…
لجنة القطاعات الاجتماعية في مجلس النواب المغربي تُصادق على…
إيمانويل ماكرون يُشيد بجهود المغرب في مجال تدبير المياه
بوريطة يُرحب بقرار وقف إطلاق النار في لبنان ويدعو…

فن وموسيقى

الفنانة هند صبري ضمن قائمة أكثر النساء تأثيراً في…
منى زكي تحتفي بعرض فيلمها "رحلة 404" في هوليوود…
الكويت تسحب الجنسية من الفنان داوود حسين والمطربة نوال
حسين فهمي يكشف تفاصيل تحضيره لمهرجان القاهرة السينمائي في…

أخبار النجوم

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب…
أحمد العوضي يقبل تحدي أحد متابعيه في ركوب الخيل
مي عمر تدافع عن محمد سامي بعد تسريب فيديو…
حسام حبيب يهاجم شقيق محمد رحيم بسبب شيرين

رياضة

غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس…
محمد صلاح يؤكد أن مباراته أمام مان سيتي ستكون…
"الفيفا" يُعلن حصول ملف استضافة السعودية لكأس العالم 2034…
3 لاعبين مغاربة في قائمة المرشحين لجوائز الأفضل لعام…

صحة وتغذية

التحفيز العميق للدماغ يعيد القدرة على المشي لمريضين مصابين…
إجراء جراحي يعكس أضرار سرطان الساركوما ويعيد استقلالية المرضى
وزير الصحة المغربي يؤكد أنه لا يمكن وضع تشريعات…
السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

الأخبار الأكثر قراءة

وزير الثقافة يُوجيه بدعم الناشرين لجعل أسعار الكتب في…
جولة على أهم المتاحف والمعارض الفنية العالمية والعربية
مصر تضع اللمسات النهائية لافتتاح المتحف المصري الكبير أحد…
معرض الشارقة للكتاب يضم مشاركة 112 دولة والمغرب يحل…
حاكم الشارقة يعلن اكتمال المعجم التاريخي للغة العربية والانتهاء…