الرباط - المغرب اليوم
آلت النجمة الذهبية للدورة الواحدة والعشرين للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش للمخرج الفلسطيني إسكندر قبطي عن فيلم «ينعاد عليكو»، الذي يحكي قصة رامي (الفلسطيني) وشيرلي (اليهودية) وأفراد عائلتيهما، وما تنطوي عليه علاقتهما الصعبة بأسرتيهما وبمحيطهما، من توترات متشابكة تؤشر عليها الديناميكيات الخفية التي تلعب دورًا عندما يعيش الناس في دولة شديدة العسكرة والانقسام. كيف يمكن للعلاقات الشخصية أن تعكس أو تشكك في إرادة الدولة؟ كيف يمكن للقوى الوطنية أن تعيد تشكيل العلاقات، أو حتى تمزقها؟ وكيف تعاني النساء من القيود التي غالبًا ما تكون أبوية (قصة فيفي)؟ وكيف يمكن أن تعيش «فلسطينيتك» داخل سردية إسرائيلية شديدة الكثافة؟
فيلم يرصد الحياة اليومية في حيفا، فنكتشف ونحن نتابع الفلسطينية فيفي التي تشتغل- بدوام جزئي- مساعدة معلمة في مدرسة ابتدائية، كيف يعزز التعليم الإسرائيلي المشاعر المعادية للعرب وضرورة وجود جيش قوي. نشاهد الأطفال يكتبون بطاقات للجنود، ويتعلمون أن سلامتهم تعتمد على هذه القوة المسلحة المنتشرة في كل مكان. بل إن هذه الأفكار تتكلس لتتحول إلى هوية وطنية يتم توظيفها لخلق المزيد من الانقسام بين الفلسطينيين واليهود. إنها إسرائيل التي تحجب فلسطين، وتفرض سرديتها و»لغتها» وقانونها القائم على «البلطجة» (حادث الاعتداء على رامي) والكذب (إجهاض شيرلي) من أجل حجب تاريخ آخر: تاريخ فلسطين.
أما جائزة الإخراج، فظفر بها المخرج البولوني داميان كوكر عن فيلم «تحت البركان» الذي يتناول الحرب في أوكرانيا من خلال قصة عائلة أوكرانية تقضي عطلتها في تينيريفي: «رومان» البالغ من العمر أربعين عامًا (رومان لوتسكيي)، وزوجته ناستيا (أناستازيا كاربينكو)، والمراهقة صوفيا (صوفيا بيريزوفسكا) والصغير فيدير (فيدير بوجاتشوف)، الذين أنهوا للتو عطلتهم، غير أنهم، وهم على أرضية المطار للعودة إلى كييف، تندلع الحرب. فيضطرون إلى البقاء، مما يفرض عليهم الإقامة في فندق، وهناك أمام الانتظارية القاتلة التي يجدون أنفسهم فيها، وبسبب انقطاع أخبار الأهل، والقلق من الدمار الذي قد يلحق ببلادهم جراء القصف الروسي المتلاحق على عدة مدن أوكرانية، يقحمنا الفيلم في مسارات وتوترات تعيد تعريف العلاقات التي تربط بين رومان وناستيا، وبين رومان وابنيه، وبين ناستيا وصوفيا، وبين صوفيا وصديقتها في أوكرانيا، وبين صوفيا وأليكس، وبين ناستيا وفيدير. الكل يواجه أسئلة العودة، وإلى أين يعودون، وما إذا كان واجب رومان هو الدفاع عن وطنه، أو الدفاع عن أسرته.
إنه فيلم استطاع من خلاله المخرج البولوني بناء توترات نفسية ولحظات اصطدام عنيفة بين أفراد الأسرة ساهمت في منح الفيلم دينامية سردية درامية عن الحرب دون تصويرها. لكنه بالمقابل يوظف كاميرا ذكية في تأزيم الزمن النفسي وفي خلق صدام درامي، وأيضا في بناء استعارات مذهلة تحيل إلى الحرب دون أن تفشي ذلك مباشرة.
بالنسبة لجائزة لجنة التحكيم، فقد تقاسمها فيلمان، الأول: فيلم «الكوخ» للمخرجة سيلفينا شنيسر، والثاني «القرية المجاورة للجنة» للمخرج الصومالي مو هاراوي. ويحكي الفيلم عن وقوع حادث غامض يرتبط بالأطفال، ويميط اللثام عن قضايا عميقة تخص الصراعات الأسرية والقلق الوجودي. خلال هذا الفيلم، توظف المخرجة، بحذق، تقنية اللامرئي وفراغات الصمت لخلق مناخ ضاغط تعززه إدارة إخراجية فنية ورؤية متوغلة في حميميات الكائن. أما فيلم «القرية المجاورة للجنة» فيحكي عن الحياة الصعبة لعائلة صومالية في ظل الحرب، وهيمنة الموت والقبور والأمية. ففي هذا الفيلم المدهش، هناك تسلسل ديناميكي للمآسي والرغبة في تجاوزها بالكدح والأحلام، وأيضا بالحب الذي يقدمه لنا الفيلم من حيث لا نتوقع. كما يتمتع الفيلم، الذي تم تصويره على مدار ثلاثة أشهر في الصومال، بمهارة بصرية مذهلة؛ وهو إنجاز خاص بمدير التصوير المصري، مصطفى الكاشف، الذي كشف عن براعة في التأطير، وغالباً ما يضع شخصياته على حافة لقطة واسعة تظهر فيها وسائل الراحة في منزلهم أو جمال المناظر الطبيعية الوعرة المحيطة بهم. إلى ذلك، فازت الفلسطينيتان منار شهاب ووفاء عون بجائزة الأداء النسائي عن فيلم «ينعاد عليكو» لأسكندر قبطي، بينما آلت جائزة الأداء الرجالي للممثل الأوكراني رومان لوتسكي عن الفيلم البولوني «تحت البركان» لداميان كوكر.
نشير إلى أن لجنة تحكيم المسابقة الرسمية كانت تتشكل من رئيسها المخرج الإيطالي لوكا جوادانيينو، والمخرج الإيراني علي عباسي، والمخرجة الهندية زويا أختر، والممثلة الأمريكية باتريشيا أركيت، والممثلة البلجيكية فيرجيني إيفيرا، والممثل الأسترالي جاكوب إيلوردي، والممثل البريطاني-الأمريكي أندرو غارفيلد، والممثلة المغربية نادية كوندا، فضلا عن المخرج الأرجنتيني سانتياغو ميتري.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر